جمال الحركة: مساعدة العقول الفتية في جنوب السودان

msf173799.jpg
تمرير
8 أكتوبر 2019
تدوينة
الدول ذات الصلة
جنوب السودان
شارك
طباعة:

تدوينة بقلم مارغريت نغونانغ، اختصاصية صحة نفسية

كانت الأسابيع الثلاثة الأولى من وصولي إلى بنتيو مليئة بالمغامرات، ولكنني لم أكن أبداً لأتوقع ما كان ينتظرني من الأحداث الشيّقة بينما كنت أستعد لتشكيل أول مجموعة تحفيز نفسي هنا في هذا المستشفى.

مأساةٌ مستمرة

بنتيو هو موقع حماية للمدنيين - مخيمٌ للأشخاص الباحثين عن حماية من النزاعات العنيفة التي تشهدها المنطقة، ويؤوي حوالي مئة ألف وأربعمئة وأربعين شخصاً وفيه أيضاً مستشفى تابع لأطباء بلا حدود.

لقد عانى الناس هنا من مأساةٍ تطاول أمدُها وما تزال مستمرةً منذ طويلةٍ من الزمن؛ وبينما استطاع الأغلبية أن يتكيفوا مع حالة البؤس الحاد يعاني عدد ليس قليلاً من الناس من مشاكل نفسية ناجمة عن هذه الظروف .

المشاكل التي يعانيها الناس عادةً في مثل هذه البيئة تشمل اضطراب ما بعد الصدمة، الذهان، الاكتئاب، الميول الانتحارية وأشكال مختلفة من تعاطي المخدرات.

بعد الكارثة

تضاءلت المخاطر المباشرة التي تواجه الناس في بنتيو نوعاً ما منذ توقيع اتفاقية السلام هنا في جنوب السودان. ومع ذلك، فإن الناس ما زالوا يواجهون ظروفاً معيشيةً غير مستقرة مثلهم في ذلك مثل الكثيرين من الناجين من الكوارث.

كان هناك الكثير من الضحك يصدر عن الأطفال الكبار وبعض الأطفال الصغار الذين رأوه أمراً طريفاً أن يقوم شخص بالغ بالرقص في مستشفى، في منتصف النهار.

بعد وقوع الكارثة، يمكن أن تُبتَلَى المجتمعات بالتهجير وانفراط عقد الأسر ونقص الخدمات والفقر أو ازدياد العنف؛ وكل ذلك يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشاكل النفسية على مستوى الأفراد والعائلات والمجموعات البشرية والمجتمعات بشكلٍ عام.

في الأماكن التي تقع فيها مثل هذه الأحداث كثيراً ما يتم إهمال المشاكل والاضطرابات النفسية ولا تتم معالجتها وخصوصاً حين تكون مشاكل الصحة النفسية ذاتها مشاكل مزمنة.

فريق العمل

margaret_and_one_of_her_team_mates_in_bentiu.jpg

يتألف قسم الصحة النفسية هنا في بنتيو من استشاريَين ومسؤول صحة نفسية.

يقدم القسم مجموعةً من الخدمات منها على سبيل المثال قيام فريق العمل بتقديم استشارات دعم فردية للمرضى الذين يتم قبولهم في كافة أقسام المستشفى.، ودعمٍ نفسي للأسر المصابة بفاجعة فقد أحد أفرادها. كما نقدم في هذا القسم أيضاً بدعمٍ من مسؤولين في الطب السريري استشاراتٍ نفسية ومعالجة دوائية.

نقدم أيضاً معالجة عن طريق الحركة وعن طريق اللعب، فالتحفيز أمرٌ على درجةٍ عالية من الأهمية حين يتعلق الأمر بالصحة النفسية وبنمو الأطفال، ولكن في مستشفى مزدحم دائماً بالمرضى يتم التركيز عادةً على الأمور الطبية مما لا يتيح للأطفال في غالب الأحيان إلا فرصةً ضئيلة للمشاركة أو الاستكشاف أو التفاعل.

حين صدحت الموسيقى

قبل بضعة أيام بدأت العمل على رأس مجموعة تحفيز نفسي اجتماعي لمرضى المستشفى.

فور انطلاق أصوات الموسيقى أخذ المرضى يأتون حاملين أطفالهم لمعرفة من أين تنطلق تلك الأصوات، فدعوتهم للانضمام إلى بعض الأشخاص الذين كانوا قد جلسوا على الأرض في ساحة اللعب.

بدأ بعض الأولاد يتحركون مع إيقاع الموسيقى بينما أخذ آخرون يخفون وجوههم في كتف من يحملهم تارةً ويختلسون النظر تارةً أخرى... آخرون مشوا أو زحفوا وتقدموا ليشاركوا في الحركة بينما كنا نتصبب عرقاً في حرارة عصر ذلك اليوم غير مكترثين لسبب وجودنا هناك

المشرفون الذين كانوا يشرفون على الأطفال الأصغر سناً جلبوا الصغار لينضموا إلينا. وانضم إلينا أيضاً مرضى آخرون وكذلك المرافقين الذين لم يكن بإمكانهم جلب المرضى معهم. الجميع أتوا ليروا ما قصة هذه الموسيقى.

بعض الأطفال أتوا والضمادات تغطي ظهر أيديهم مكان إدخال المصل الوريدي أو تلتصق على زاوية رؤوسهم الصغيرة. البعض منهم كانوا مشاغبين والبعض يغلب عليهم الفضول بينما اتسم آخرون بالخجل أو كانوا منهكين من المرض ومن الإقامة في المستشفى لمدةٍ طويلةٍ من الزمن.

بدأنا بالتحرك بتؤدة مع إيقاع الموسيقى ثم تدريجياً أضفنا التصفيق ثم حركاتٍ راقصة وهو ما شدّ انتباه الجميع.

كان الشعور المهيمن هو الفضول، والتساؤل عما تريده وما تخطط له هذه الموظفة الدولية الجديدة ذات المظهر الإفريقي...

كان هناك الكثير من الضحك يصدر عن الأطفال الكبار وبعض الأطفال الصغار الذين رأوه أمراً طريفاً أن يقوم شخص بالغ بالرقص في مستشفى، في وضح النهار.

العلاج بالحركة

قد يكون سبب ذلك هو فقط عدم الاعتياد على رؤية شخص يرقص وسط مجموعةٍ فيها أشخاص بالغين وأطفال، لكن الأمر كان مختلفاً.

كان الأمر مختلفاً لأن هناك هدفاً مقصوداً من ورائه: تحفيز عقول الأطفال، والمساعدة على تناسق حركة أعينهم، ودفعهم للتحرك. كل ذلك تم تحقيقه من خلال التصفيق والحركة والتواصل البصري وتعابير السعادة المختلفة التي رسمها الفريق بوجوهه للتشجيع على التفاعل.

بدأ بعض الأولاد يتحركون مع إيقاع الموسيقى بينما أخذ آخرون يخفون وجوههم في كتف من يحملهم تارةً ويختلسون النظر تارةً أخرى. آخرون مشوا أو زحفوا وتقدموا ليشاركوا في الحركة بينما كنا نتصبب عرقاً في حرارة عصر ذلك اليوم غير مكترثين لسبب وجودنا هناك.

إحدى الفتيات الصغيرات والتي كان نصفها الأيمن مشلولاً زحفت من حضن أمها إلى حيث كان مكبّر الصوت وحاولت أن تقف إلى جانبه محاولةً استكشاف من أين يأتي الصوت بينما كانت تحرك جسمها مع إيقاع الموسيقى.

حاولت والدتها أن تجعلها تستخدم يدها المشلولة بينما كانت تستكشف ما حولها. رفضت ذلك ولكنها استطاعت أن تحرك يدها وتقبض على إصبعي بينما كنا نتمايل بهدوء على صوت الموسيقى. كان لديها ضحكة حلوة، وكذلك كانت ضحكة والدتها.

كلُّنا واحد

كانت هذه المجموعة قد شُكِّلَت كواحدة من الفعاليات ضمن المشروع قبل وصولي إلى بنتيو، ولكنها كانت المرة الأولى التي أكون فيها قائدة المجموعة. كما أنها كانت المرة الأولى التي تقصَّدنا فيها استخدام العلاج بالحركة بالإضافة إلى التلوين وألعاب المكعبات التي كانت مستخدمة من قبل.

منذ ذلك اليوم، بدأنا باستخدام العلاج بالموسيقى والحركة مع العائلات بشكلٍ يومي.

الأطفال ومرافقيهم الذين يشتركون في جلسات العلاج هذه يأتون من مختلف أقسام المستشفى. هناك مريضٌ أصمّ يحضر دائماً هذه الجلسات الجماعية ويستخدم قطع المكعبات لبناء أبنيةٍ ضخمة بينما هو يراقب الحركات .

بالإضافة إلى خلق بيئة تحفيزية للأطفال الصغار، تساعد المجموعة أيضاً الأولاد الأكبر سناً والأشخاص البالغين من خلال إعطائهم شيئاً آخر يفكرون به بعيداً عن المرض، فهي توفر الاسترخاء وتخفض من التوتر في فسحةٍ تمتلئ بأطفالٍ يلونون ويرقصون في كل مكان على أنغام الموسيقى.

في هذه اللحظات، كل ما يهم هو أن نتوحد جميعاً وأن نكون، على الرغم من شدة الحر، شخصاً واحداً بالحركة والإيقاع.

في الصورة العليا مرافق أطباء بلا حدود في بنتيو- الصورة مأخوذة في 2016.